( كِتَابُ الْمُضَارَبَةِ ) وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الْكِتَابَيْنِ وُجُودُ مَعْنَى نَقْلِ
الْمَالِ فِي الْحَوَالَةِ وَالْمُضَارَبَةِ فِي الْجُمْلَةِ ( هِيَ ) لُغَةً
مُفَاعَلَةٌ مِنْ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ وَهُوَ السَّيْرُ فِيهَا سُمِّيَ هَذَا الْعَقْدُ
بِهَا لِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَسِيرُ فِي الْأَرْضِ غَالِبًا لِطَلَبِ الرِّبْحِ ،
وَشَرْعًا ( عَقْدُ شَرِكَةٍ فِي الرِّبْحِ بِمَالٍ مِنْ رَجُلٍ وَعَمَلٍ مِنْ
آخَرَ وَرُكْنُهَا الْإِيجَابُ ) بِأَنْ يَقُولَ رَبُّ الْمَالِ دَفَعْت هَذَا
الْمَالَ إلَيْك مُضَارَبَةً أَوْ مُعَامَلَةً أَوْ خُذْ هَذَا الْمَالَ إلَيْك
وَاعْمَلْ بِهِ عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَنَا نِصْفَانِ أَوْ
نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ أَلْفَاظٍ تَثْبُتُ بِهَا الْمُضَارَبَةُ ( وَالْقَبُولُ )
بِأَنْ يَقُولَ الْمُضَارِبُ قَبِلْت وَنَحْوَهُ ( وَحُكْمُهَا أَنْوَاعٌ )
الْأَوَّلُ أَنَّهَا ( إيدَاعٌ أَوَّلًا ) لِأَنَّهُ قَبْضُ الْمَالِ بِإِذْنِ
مَالِكِهِ لَا عَلَى وَجْهِ الْمُبَادَلَةِ وَالْوَثِيقَةِ بِخِلَافِ الْمَقْبُوضِ
عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ لِأَنَّهُ قَبْضُهُ بَدَلًا وَبِخِلَافِ الرَّهْنِ
لِأَنَّهُ قَبْضُهُ وَثِيقَةً ( وَتَوْكِيلٌ عِنْدَ عَمَلِهِ ) لِأَنَّهُ
يَتَصَرَّفُ فِيهِ لَهُ بِأَمْرِهِ حَتَّى يَرْجِعُ بِمَا لَحِقَهُ مِنْ
الْعُهْدَةِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ ( وَشَرِكَةٌ إنْ رَبِحَ ) لِأَنَّهُ يَحْصُلُ
بِالْمَالِ وَالْعَمَلِ فَيَشْتَرِكَانِ فِيهِ ( وَغَصْبٌ إنْ خَالَفَ )
لِتَعَدِّيهِ عَلَى مَالِ غَيْرِهِ فَيَكُونُ ضَامِنًا ( وَلَوْ ) وَصْلِيَّةٌ (
أَجَازَ بَعْدَهُ ) أَيْ الْمُضَارِبُ إذَا اشْتَرَى مَا نُهِيَ عَنْهُ ثُمَّ
بَاعَهُ وَتَصَرَّفَ فِيهِ ثُمَّ أَجَازَ رَبُّ الْمَالِ لَمْ يَجُزْ وَكَذَلِكَ
الْمُسْتَبْضِعُ ( وَإِجَارَةٌ فَاسِدَةٌ إنْ فَسَدَتْ ) فَإِنَّ الْوَاجِبَ
لِلْمُضَارِبِ فِيهَا أَجْرُ الْمِثْلِ كَالْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ وَهُوَ بَدَلُ
عَمَلِهِ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْمُسَمَّى لِعَدَمِ الصِّحَّةِ وَلَمْ
يَرْضَ بِالْعَمَلِ مَجَّانًا فَيَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ ( فَلَا رِبْحَ حِينَئِذٍ
) لِأَنَّهُ يَكُونُ فِي الْمُضَارَبَةِ الصَّحِيحَةِ وَلَمَّا فَسَدَتْ صَارَتْ
إجَارَةً ( بَلْ أَجْرُ عَمَلِهِ ) كَمَا هُوَ حُكْمُ الْإِجَارَةِ
( وَشَرْطُهَا
سِتَّةٌ ) الْأَوَّلُ ( كَوْنُ رَأْسِ الْمَالِ مِنْ الْأَثْمَانِ فَلَا تَصِحُّ
إلَّا بِمَالٍ تَصِحُّ بِهِ الشَّرِكَةُ ) لِأَنَّهَا تَصِيرُ شَرِكَةً بِحُصُولِ
الرِّبْحِ فَلَا بُدَّ مِنْ مَالٍ تَصِحُّ بِهِ الشَّرِكَةُ وَهُوَ الدَّرَاهِمُ
وَالدَّنَانِيرُ وَالتِّبْرُ وَالْفُلُوسُ النَّافِقَةُ كَمَا سَيَأْتِي ( وَلَوْ
دَفَعَ إلَيْهِ عَرَضًا وَأَمَرَ بِبَيْعِهِ وَعَمَلِ مُضَارَبَةٍ فِي ثَمَنِهِ
فَقَبِلَ صَحَّ ) لِأَنَّهُ لَمْ يُضِفْ الْمُضَارَبَةَ إلَى الْعَرْضِ بَلْ إلَى
ثَمَنِهِ وَهُوَ مِمَّا تَصِحُّ بِهِ الْمُضَارَبَةُ وَالْإِضَافَةُ إلَى الْمُسْتَقْبَلِ
تَجُوزُ لِأَنَّهَا وَكَالَةٌ أَوْ وَدِيعَةٌ أَوْ إجَارَةٌ فَلَا يَمْنَعُ شَيْءٌ
مِنْهَا الْإِضَافَةَ إلَيْهِ ( وَ ) الثَّانِي ( كَوْنُهُ عَيْنًا لَا دَيْنًا )
لِأَنَّ الْمُضَارِبَ أَمِينٌ ابْتِدَاءً وَلَا يَتَصَوَّرُ كَوْنُهُ أَمِينًا
فِيمَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ ( فَلَوْ قَالَ اعْمَلْ بِالدَّيْنِ الَّذِي فِي
ذِمَّتِك مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ لَمْ يَجُزْ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ لَهُ
دَيْنٌ عَلَى ثَالِثٍ فَقَالَ اقْبِضْ مَالِي عَلَى فُلَانٍ وَاعْمَلْ بِهِ
مُضَارَبَةً ) حَيْثُ يَجُوزُ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْمُضَارَبَةَ إلَى زَمَانِ
الْقَبْضِ وَالدَّيْنُ فِيهِ يَصِيرُ عَيْنًا وَهُوَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ رَأْسَ
الْمَالِ ( وَ ) الثَّالِثُ ( تَسْلِيمُهُ إلَى الْمُضَارِبِ ) حَتَّى لَا يَبْقَى
لِرَبِّ الْمَالِ فِيهِ يَدٌ لِأَنَّ الْمَالَ يَكُونُ أَمَانَةً عِنْدَهُ فَلَا
يَتِمُّ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ كَالْوَدِيعَةِ بِخِلَافِ الشَّرِكَةِ
لِأَنَّ الْمَالَ فِي الْمُضَارَبَةِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ وَالْعَمَلَ مِنْ
الْجَانِبِ الْآخَرِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَخْلُصَ الْمَالُ لِلْعَامِلِ
لِيَتَمَكَّنَ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ وَأَمَّا الْعَمَلُ فِي الشَّرِكَةِ فَمِنْ
الْجَانِبَيْنِ فَلَوْ شُرِطَ خُلُوصُ الْيَدِ لِأَحَدِهِمَا لَمْ تَنْعَقِدْ
الشَّرِكَةُ لِانْتِفَاءِ شَرْطِهَا وَهُوَ الْعَمَلُ مِنْهُمَا ( فَشَرْطُ
الْعَمَلِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ يُفْسِدُهَا ) أَيْ إنْ شَرَطَا أَنْ يَعْمَلَ
الْمَالِكُ مَعَ الْمُضَارِبِ فَسَدَتْ الْمُضَارَبَةُ لِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ
يَمْنَعُ مِنْ تَسْلِيمِ الْمَالِ إلَى الْمُضَارِبِ
( بَابٌ ضَارَبَ
بِلَا إذْنٍ ) أَيْ دَفَعَ الْمُضَارِبُ الْمَالَ إلَى غَيْرِهِ مُضَارَبَةً بِلَا
إذْنِ الْمَالِكِ ( لَمْ يَضْمَنْ ) بِالدَّفْعِ ( مَا لَمْ يَعْمَلْ الثَّانِي )
وَإِذَا عَمِلَ ضَمِنَ الدَّافِعُ رِبْحَ الثَّانِي أَوْ لَا وَهُوَ قَوْلُهُمَا
وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُ .
( وَفِي رِوَايَةٍ
) لَمْ يَضْمَنْ ( مَا لَمْ يَرْبَحْ ) وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْهُ
لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِبْضَاعَ فَلَا يَضْمَنُ بِالْعَمَلِ مَا لَمْ يَرْبَحْ
فَإِذَا رَبِحَ فَقَدْ أَثْبَتَ لَهُ شَرِكَةً فِي الْمَالِ فَيَصِيرُ كَخَلْطِ
مَالِهَا بِغَيْرِهِ فَيَجِبُ الضَّمَانُ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الرِّبْحَ
إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْعَمَلِ فَيُقَامُ سَبَبُ حُصُولِ الرِّبْحِ مَقَامَ
حَقِيقَةِ حُصُولِهِ فِي صَيْرُورَةِ الْمَالِ مَضْمُونًا بِهِ وَهَذَا إذَا
كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ الثَّانِيَةُ صَحِيحَةً فَإِنْ كَانَتْ فَاسِدَةً لَا
يَضْمَنُ الْأَوَّلُ وَإِنْ عَمِلَ الثَّانِي لِأَنَّهُ أَجِيرٌ فِيهِ
وَالْأَجِيرُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الرِّبْحِ فَلَا تَثْبُتُ الشَّرِكَةُ
لَهُ بَلْ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ عَلَى الْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ وَلِلْأَوَّلِ مَا
شَرَطَ لَهُ مِنْ الرِّبْحِ ( وَإِنْ أَذِنَ ) أَيْ الْمَالِكُ ( فَدَفَعَ
بِالثُّلُثِ وَتَصَرَّفَ الثَّانِي وَرَبِحَ وَقِيلَ لَهُ مَا رَزَقَ اللَّهُ
فَبَيْنَنَا نِصْفَانِ ) يَعْنِي بَعْدَمَا دَفَعَ إلَيْهِ رَبُّ الْمَالِ
الْمَالَ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ وَأَذِنَ لَهُ بِأَنْ يَدْفَعَهُ إلَى غَيْرِهِ
فَرَفَعَهُ بِالثُّلُثِ وَتَصَرَّفَ الثَّانِي وَرَبِحَ فَإِنْ كَانَ رَبُّ
الْمَالِ قَالَ لَهُ عَلَى إنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ تَعَالَى فَبَيْنَنَا
نِصْفَانِ ( فَلِلْمَالِكِ النِّصْفُ وَلِلْأَوَّلِ السُّدُسُ وَلِلثَّانِيَّ
الثُّلُثُ ) لِأَنَّ دَفْعَ الْأَوَّلِ إلَى الثَّانِي مُضَارَبَةً صَحِيحٌ حَيْثُ
كَانَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ إلَّا أَنَّ الْمَالِكَ شَرَطَ لِنَفْسِهِ نِصْفَ
جَمِيعِ مَا رَزَقَ اللَّهُ وَمَا رَزَقَ اللَّهُ جَمِيعُ الرِّبْحِ فَكَانَ لَهُ
نِصْفُ جَمِيعِ الرِّبْحِ فَلَا يَكُونُ لِلْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ أَنْ يُوجِبَ شَيْئًا
مِنْ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ بَلْ مَا أَوْجَبَهُ لِلثَّانِي وَهُوَ ثُلُثُ الرِّبْحِ
يَنْصَرِفُ إلَى